الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

6) الأديان: ظلال جواهر حقيقية

6) الأديان: ظلال جواهر حقيقية

إنّ مختلف الأديان التي طوّرها الإنسان تقدّم لنا برهاناً ساطعاً على صحّة المنظور المادي للتاريخ. إلا أنّ البعض سيقول: ((لكن ماذا تعني بمصطلح "الدين"؟)). وللإجابة عن هذا السؤال سأضع تعريفاً محدّداً للدين على أنّه ((نظام عبادة أو عادات معيّنة تقوم على الإيمان بوجود قوّة ماورائية خفيّة، كائن خارق أو مجموعة من الكائنات الماورائية الخارقة، بالإضافة إلى الإيمان بوجود حياة ما بعد الموت)). طبعاً أنا مدركٌ تماماً لحقيقة أنّ مصطلح "دين" ذو مدى أوسع من ذلك اليوم. لكن بما أنّي قد حدّدت المصطلح، فسيعرف القارئ ما أقصده تماماً.
من أين تأتي هذه الأفكار؟ هل هي متأصّلة داخل دماغ الطفل منذ لحظة الولادة؟ طبعاً: كلا... إنّ الأفكار الدينية مكتسبة. إنّها نتيجة تربيتنا وممارستنا. فإذا كنا قد ولدنا ضمن قبيلة بدائية فسنكون قد تربّينا عن "تابوهات" معيّنة، وبانتهاك تلك التابوهات سنكون قد جلبنا غضب الأرواح الشريرة على أنفسنا وألحقنا الضرر والأذى بالقبيلة. مثل هذه البيئة لا يمكن أن تنتج أيّة معتقدات وأفكار أخرى. المعرفة المسيحية، من جهةٍ أخرى، تتطلّب بيئة عملية معقدّة جداً. كميات هائلة من الأموال يتمّ توظيفها كل الوقت. يجب أن يكون مجتمعاً حيث يكون فيه البعض "فشلة" وآخرون "ناجحون".
الدين مجرّد تطوّر طبيعي. وهذه هي الحال في أكثر أشكاله بدائيةً. إنّه متوافق مع كافة الدوافع الطبيعية للبشر. ذلك القانون الطبيعي "المصونية الذاتية" _أول قانون من قوانين الطبيعة_ بالغ القوة وشديد التأثير. لا يوجد شخص على وجه الأرض يرغب بأن يموت. كل شخص يريد أن يعيش. وحتى الناس المتديّنون، أولئك الذين يتغنّون ليل نهار بأمجاد السماء وجمال الجنان ومتعها والحياة الأبدية، لا يرغبون بالموت أيضاً. وعندما يمرضون فقد يلجأون إلى الصلوات، لكنهم من كل بدّ يذهبون إلى الطبيب. إنّهم لا يريدون الموت. بل إنّهم يفضّلون البقاء في هذا "العالم التعيس والآثم" قدر الإمكان. وهناك سبب جيد لذلك: إنّه العالم الوحيد الذي هم متأكّدون منه.

إنّ قانون المصونية الذاتية بفرض نفسه ويتخطّى كل عقبة. فالغنيّ سيدفع كل أمواله، وهو مستعدٌ للتخلّي عن كل ما يملك، للحفاظ على حياته. أمّا الفقير، أو المتسوّل _مادّاً يده للناس، مريضاً وسقيماً، لا يتناول خبزه إلا من مال الصدقات_ فإنّه سيبذل جهده للبقاء على قيد الحياة. فالحياة ثمينة، والروح غالية، حتى بالنسبة له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق