الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

20) التنظيم والتحرّر

20) التنظيم والتحرّر

منذ حوالي جيل مضى، كان بإمكان عدد معيّن من العمّال ترك عملهم والبدء بعمل خاص بهم. لكنّ تلك الأيام قد ولّت مرةً وإلى الأبد وقد استفاق العمّال لهذه الحقيقية. لقد تضخّمت الصناعات اليوم وباتت تحتاج لرأس مال ضخم لتشغيلها. فقد ولّت أيام ورشات العمل الصغيرة، والمحال الصناعية والحرفية. فحقل العمل الصغير، والتجارة المفردة، والحرف الصغيرة، جميعها قد ابتلعها المخزن الكبير وتقدّم نظام المخزن الضخم وفروعه المتعدّدة.
من هذه البيئة المادية انبثق الفكر بالنسبة للفئة المتقدّمة من الطبقة العاملة، فليس هناك مهرب من عبودية الأجر بالنسبة لهم ولأحفادهم من بعدهم. لقد بدأوا يدركون أنّه لا يوجد حل نهائي لمشاكلهم، وأنّهم عاجزون كأفراد بمفردهم، وليس أمامهم سوى عبودية الأجر كسبيل للحياة، وأنّهم يعملون ليل نهار لتتراكم الملايين عند طبقات غير نافعة، طبقات ليس لها أي دور اجتماعي سوى أن تجمع الفوائد والأرباح، وتحصد أتعاب العمّال.
وعندما يدرك العامل أنّ مشكلته لا يمكن حلّها بالعمل الفردي وحده، فإنّه يتوجّه للعمل الجماعي، أو التنظيم. إنّه يرى أنّ عجلات التقدّم الاجتماعي لا يمكن إدارتها إلى الوراء، وأنّ الصناعات الكبرى لا يمكن تقسيمها إلى صناعات أصغر، ورشات عمل صغيرة. فالتملّك الجماعي لوسائل الإنتاج هو الحل الوحيد لمشكلته: فالمطاحن، المناجم، والمعامل يجب أن تسيطر عليها الجماعة، المجتمع.
الإنتاج الجماعي، أو إخراج كميات هائلة من البضائع والسلع المعيارية على يد جيوش عظيمة من العمّال المنتجين، هو الأساس المادي والاقتصادي للفكر الشيوعي.
التملّك الجماعي من قبل المجتمع ككل هو السبيل الوحيد والممكن للتخلّص من نير العبودية الحالية. لقد أغلق المخرج الواسع للهروب الفردي. ولا يوجد سبيل للتخلّص من نير العبودية واحتكار الطبقة الطفيلية سوى العمل الجماعي للطبقة العاملة، عندها _وعندها فقط_ ستتخلّص طبقة العمّال من الفقر والجوع مرة وإلى الأبد.
كل عامل ذكي يعرف تمام المعرفة أنّه إذا كان هناك فقر فإنّه ليس ناتجٌ عن النقص والندرة، بل على العكس، من فائض الإنتاج. ليس هناك أي خلل في عملية الإنتاج، بل تسير على أحسن ما يرام. بل الخلل يتمثّل في اختلاس الإنتاج وسرقته. ولا يمكن سوى للعمّال ذوي الفهم الصحيح والواضح لعالمهم الاقتصادي والمادي الذي يعيشون فيه أن يحلّوا هذه المشكلة القديمة قدم الزمن نفسه. وقد باتت أدوات الإنتاج ووسائله الآن في متناول أيدي العمّال. وأوّل خطوة تتمثّل في السيطرة على السلطة السياسية وتأسيس حكومة بروليتارية. أمّا الخطوة الثانية فتتمثّل في تأميم كافة الصناعات.
هناك الكثير من العقبات التي تواجه الطبقة العاملة أثناء كفاحها للوصول إلى هدفها، ليس أقلّها حالتهم العقلية. يقول كارل ماركس ((إنّ عبء تراث جميع الأجيال السابقة مثل جبال الألب على عقول الأجيال الحية)). وهذا هو عين الحقيقة للأسف بالنسبة للطبقة العاملة. فما زال العمّال مثقلون بالكثير من التقاليد والتراث. مازالوا يحملون الكثير من المعتقدات الدينية التي تنتمي إلى الماضي، معتقدات وأفكار خرجت من قلب الظروف والأحوال الاقتصادية والمادية التي عفا عليها الزمن. وهذا مردّه طبعاً إلى التلقين الذي تلقّوه على يد طبقة الأسياد، التي يسمّى التعليم.
لكنّ البيئة المادية والظروف الاقتصادية المتغيّرة، التي أخرجت أشكال دينية جديدة للطبقات السابقة، لن تأتي بأي نموذج ديني جديد للطبقة الحالية.
فالوعد بسعادة أبدية بعد الموت كتعويض عن الفقر والمعاناة في الوقت الحالي يقابلها البروليتاريون الجدد بحركة سياسية جديدة، وليس بدين جديد، حركة سياسية بوسع العالم بمنظورها، وبهدف حالي، الآن وهنا، وليس في حياة أخرى هناك.
هذه الحركة اللادينية، بأسسها الاقتصادية والمادية، وأهدافها الاقتصادية والسياسية، هي الأمل الوحيد والأخير لعمّال العالم. وشعارها الأساسي والأول هو: ((يا عمّال العالم اتّحدوا... فلن تخسروا شيئاً سوى أغلالكم، وستفوزون بالعالم كلّه))


انتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق