17) العمال الذين ظلّوا متديّنين
بعض العمال بقوا على درجة عالية من التديّن. إنّهم يعتقدون أنّ الحلّ
النهائي لمشاكل العالم يكمن في اهتداء الجماهير إلى المسيحية. ومن غير المناسب
السخرية من أولئك العمال واحتقارهم. فاللوم لا يقع عليهم كونهم متديّنون. هم
مخلصون جداً في معظم الأحيان. وموقفنا تجاههم يجب أن يكون من قبيل الشفقة
والتعاطف، ويجب بذل الجهود لإنقاذهم من نير معتقداتهم البدائية.
وأفضل طريقة لإنقاذ العمّال وإبعادهم عن الخرافات هي في منحهم المعرفة،
معرفة حقيقية. فعندما تدخل المعرفة إلى العقل، تخرج المعتقدات الخرافية هاربة.
والعلم هو أفضل دواء ضدّ الخرافة والجهل. فهو قائم على الحقائق والوقائع، وليس على
الإيمان والتسليم. إنّه على النقيض من الدين الذي لا يحتاج لأيّة حقائق، بل يكفيه
الإيمان الأعمى والتسليم. على الإنسان العلمي أن يكون مثقفاً ويعرف الكثير من
الأمور. أمّا الإنسان المتديّن فليس من الضروري أن يمتلك أي معرفة أو ثقافة مهما
كانت. ومع ذلك من غير الصحيح شنّ هجوم على العمّال لأنّهم وقعوا ضحايا بين براثن
الدين.
في زمنٍ مضى كان يتمّ ضرب الأشخاص المجانين بالسوط. وكان يعتقد أنّ هذا العلاج
فعّال. وهؤلاء المشرفون على هذا النمط من العلاج كانوا أناساً خرافيين، وكانوا
يعتقدون أنّ الجنون كان نتيجة غزو أرواح شريرة للجسد البشري. وكانوا يلجأون للضرب
بالسياط لإخراج هذه الشياطين والأرواح الشريرة وعلاج المريض. نحن الآن لا نعالج
المرضى العقليين بهذا الأسلوب. نحن نعلم الآن أنّ المرض العقلي أو الجنون ما هو
إلا حالة من حالات العقل ومن الممكن علاجها بوسائل عديدة وعن طريق أدوية مناسبة،
لكن بالتأكيد ليس بالضرب بالسوط.
الدين أيضاً هو حالة من حالات العقل، لكنه في معظم الأحيان ليس حالة مرضية،
باستثناء حالات معينة. فإذا كان العمال متديّنون فذلك يعود إلى تربيتهم ونشأتهم،
إنهم ببساطة لا يعرفون شيئاً آخر غير ذلك. ما هم بحاجة إليه هو وجود معرفة حقيقية
عن العالم من حولهم.
العمّال المتدينون غير منتظمين كجهاز للحكم. ونادرا ما ينشطون ضمن حركة
العمل. وهذا لا يعود إلى كرههم لزملائهم في العمل، بل لأنهم يعتقدون/يؤمنون أنّ
الـ"فيما بعد" أفضل من الـ "هنا الآن". لقد جرى تعليم أولئك
العمّال [برمجتهم] بأن يكونوا شاكرين وممتنّين بغضّ النظر عن ظروفهم وأحوالهم
المادية. بهذا الشكل، سيغدو الدين أفضل وسيلة في يد الاستغلاليين ومستغلّي العمل.
وهذا من أحد الأسباب الرئيسية في كون الرأسماليين ليبراليون جداً في التعامل مع
أموالهم من أجل عمل الكنيسة. فلم تسمع عنهم أنهم يمنحون أموالهم أمكنة للعمل. أمّا
الدين، في حين أنّه يساعد الطبقة الموظّفة، فإنه يدمّر طبقة العمّال. لهذا السبب بالضبط
نسعى لإخراجه من عقول العمال، لأنّه يقف حجر عثرة في طريق تحرّرهم واستقلالهم الاقتصادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق