13) المسيحيين
اليهودية: أساس المسيحية وخلفيتها. فقد بدأت كعبادة بسيطة لإله أبوي.
القبائل الأبوية هي جماعات من الناس عادةً ما تكون منحدرة من خط دم واحد، هذا
الأصل أو المصدر هو زعيم القبيلة أو كبيرها، والمسيحية تؤمن بإله أبوي: الأب في
السماء. لنأخذ حالة إبراهيم على سبيل المثال، الأب الأول للشعوب، زعيم أو بطريرك
لقبيلة أو جماعة، هو وعائلته، وجميع أولئك الذين يعتمدون عليهم عبدوا إبراهيم
سماوي، أو بالأحرى يهوه. كانوا عبارة عن رعاة، وهمّهم الأساسي كان سلامة قطعانهم
ومواشيهم. وكما كان الأب إبراهيم راعياً صالحاً، هكذا تصوّروا الأب السماوي كراعي
صالح، يعتني بقطيعه البشري على الأرض.
خلال تلك الأيام كان الله يتنزّه مع إبراهيم ويتحدّث معه عن حاجاته
وواجباته. كان إبراهيم بحاجة إلى الله في أعماله. كان جلّ ما يحتاجه هو الأرض التي
يرعي عليها قطيعه، وطبعا لطرد قطعان الآخرين منها. نقرأ أنّ إبراهيم قد صعد جبلاً
للتحدّث إلى الله. وعندما هبط من الجبل أخبر شعبه أنّ الله قد أعطاه كل الأرض على
مدّ بصره من فوق قمّة الجبل وعلى امتداد الجهات الأربع... لقد وهبها الله له
ولذريته من بعده إلى أبد الآبدين.
إذن حصل إبراهيم على حقه في الأرض من الأعلى. وكان ذلك الحق الوحيد في
الأرض في زمن الإقطاعية الأوروبية. "الحق الإلهي" للملك وأتباعه
الأرستقراطيين كان هو السلطة الوحيدة التي يملكونها لتقسيم أراضي أوروبا وتوزيعها
بين بعضهم البعض. وبنفس الشكل الذي تقبّل فيه عبيد إبراهيم ذلك التفسير كذلك فعل
العباد المؤمنون بالخرافات في العصور الوسطى، وعندما كان يروي الكهنة والقساوسة
نفس النوع من القصص والأساطير على الجمهور المؤمن،كانوا هؤلاء بدورهم على أتمّ
الاستعداد للخضوع لإرادة الله وخدمة الإقطاعي أو مالك الأرض الذي يحمل حقّاً
إلهياً فيها، وتفويضاً مباشراً من الله.
كان الفلاحون في بعض الأحيان يهدّدون بالثورة، وقد قاموا بذلك في عدّة
مناسبات. فعندما كانوا يشتكون من طغيان أسيادهم الأرستقراطيين، ويهدّدون بحمل
السلاح في وجوههم، كان الكهنة مستعدّين على أتمّ الاستعداد للإشارة إلى أنّ هذا
التخطيط الاجتماعي هو من عند الله. فالله هو من جعل الغني غنياً والفقير فقيراً،
هو من عيّن الملك كما عيّن الخدم والعبيد. فهم قد حصلوا على أراضيهم وامتيازاتهم
منه مباشرةً. حقوقهم كانت حقوقاً إلهية، أمّا التدخّل في هذا التخطيط الاجتماعي
يعني التدخّل بالخطّة الإلهية وتحدّي إرادته على الأرض.
كان هذا النوع من الحجج يربك الفلاحين المؤمنين والبسطاء والسّذّج، فمن غير
المقبول بالنسبة لهم أن يكونوا بهذه الدرجة من الكفر والزندقة ليتحدّوا إرادة الله
ومشيئته. فإذا كان الله هو من خلقهم فقراء، وفي هذه المكانة المتدنية، فعليهم أن
يتحمّلوا وضعهم هذا ويتقبّلوه بكل بساطة. كانت الكنيسة تشير دائماً بأنّ معاناتهم
ربّما تكون منزّلة من عند الله لاختبار إيمانهم، بل عليهم أن يكونوا مبتهجين
وسعداء لأنّ هذا العالم ما هو إلا وادِ من الدموع والألم، حجّ إلى الظلام يقودهم
إلى عالم النور الذي يتجاوز هذا العالم. فإن كانت معاناتهم شديدة هنا، فستكون أخفّ
في الحياة الأخرى. سيرون السعادة في الجنّة بالقرب من الله. وكل تلك الأمور
والملذّات التي حُرِموا منها على الأرض سيعوّضها الله لهم لاحقاً في الجنة.
فسعادتهم ستبدأ في اللحظة التي تعقب وفاتهم.
كان هذا هو الدور الأساسي للكنيسة فيما يتعلّق بعلاقتها بالفلاح، لكبح روحه
الثورية بوعود خلّبية عن السعادة بعد الموت. وعندما فشلت هذه الطريقة، كما كان
يحدث عادةً، قام الأرستقراطيون _وبمباركة الكنيسة_ بإخماد ثورة الفلاحين
"العُصاة" بالنار والسيف.
لكن بالعودة إلى "بني إسرائيل" نجد أنهم لم يعودوا شعباً من
البدو الرعاة، فلاّحي التراب، بل توسّعوا وتضخّموا ليصبحوا أمّة قوية، وغزوا
القدس/أورشليم وحرّروها من اليبوسيين، ثمّ مرّت ديانتهم بمنعطف تاريخي حاد. فبعد
أن تحوّلت المدينة المفتوحة إلى مركز تجاري كبير وكانت فلسطين محكومة من قبل
اليهود، انقسم الشعب إلى فئتين متمايزتين، الأغنياء والفقراء. فانقسم دينهم إلى
طائفتين. إحداها أوّلت الديانة اليهودية من وجهة نظر الأغنياء والأخرى أوّلتها
وفسّرتها من وجهة نظر الفقراء. كانت أورشليم، منذ أيام الرومان، من أهمّ المدن في
الإمبراطورية. وكانت خاضعة للجباة وجامعي الضرائب من الرومان وأساليبهم. وكان على
شعبها أن "يعيدوا لقيصر ما لقيصر". لقد حصّل الرومان الكثير من
مستعمرتهم اليهودية، كما فعلوا مع غيرها من مستعمراتهم في الأقاليم الأخرى.
لم تعد المراعاة الدينية للشعب اليهودي مجرّد عبادة بسيطة لإله راعٍ. بل
لقد أظهر معبدهم العظيم بالإضافة إلى أغلب كهنتهم وحاخاماتهم مظاهر نظام اجتماعي
أكثر تعقيداً. التبادل النقدي والمالي، التعامل بالمعادن الثمينة ومختلف أنواع
البضائع التجارية كان الشغل اليومي لقسم كبير ومعتبر من السكان. إلا أنّ هناك من
كانوا يعملون "جامعين للحطب وجالبين للماء". كانت هناك طبقة عبيد،
مكوّنة أساساً من أسرى، خارجين عن القانون ومطاردين، كما هي الحال عبر مختلف
أقاليم الإمبراطورية الرومانية. كانت أورشليم مدينة غنيّة بشكل عام. ومخازنها كانت
مليئة بالضائع والسلع الثمينة والغالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق