الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

10) الآلهة الإغريقية

10) الآلهة الإغريقية

رأينا من قبل كيف أنّ بدائيي أمريكا الشمالية قد تخيّلوا جنّتهم أو فردوسهم كانعكاس لمحيطهم المادي الذي يعيشون فيه، ورأينا كيف أنّ الفايكينغ الاسكندنافيين، الشعوب الأرقى، فعلوا نفس الشيء ضمن بيئة مختلفة. والآن سنلقي نظرة على المعتقدات الدينية لحضارة مبكّرة: الحضارة اليونانية، أو الإغريق في ذروة عظمتهم الإمبريالية، قبل صعود الإمبراطورية الرومانية، خلقوا لأنفسهم مجموعة رائعة وعظيمة من الآلهة والإلهات. وقد خلّفوا لنا تماثيل رائعة الجمال لآلهتهم، وقد صوّروها على صورتهم الخاصّة. كانت آلهة جميلة، قوية، ذات مظهر خلاّب ورياضي. كما أنّها كانت تحمل سمات وميّزات طبقة النخبة التي يمكن تمييزها بسهولة. يمكننا القول وببساطة شديدة أنّ الإغريق في تلك الحقبة كانوا يقدّسون ويؤلّهون أنفسهم.
كان المجتمع الإغريقي مقسوماً إلى طبقتين متمايزتين رئيسيتين: طبقة السادة وطبقة العبيد. والطبقة الثانية كانت تقوم بكافة الأعمال القاسية والمضنية. أمّا الأولى مكان طبقة حرّة متفرّغة للأعمال والمساعي الفكرية. وعندما نفهم هذه الوقائع ندرك عندئذٍ عدم وجود معتقدات بدائية بربرية بين الشعوب الراقية والمتقدّمة. فبيئتهم كانت أكثر تعقيداً وعكست نفسها في عقول الإغريق على شكل ديانة معقّدة.
لقد أنجبت الحضارة الإغريقية العديد من الفنانين، النحّاتين، المعماريين، والفلاسفة العظماء على مستوى عالٍ جداً. لقد بنوا مدناً رائعة. وما زالت أبنيتهم وصروحهم المعمارية مقياساً للبناء العظيم والرائع. كانت حياتهم الاجتماعية مليئة بالروعة والعظمة. لم تظهر تلك الآلهة الخشنة والفظّة التي خلقّها النرويجيون لأنفسهم في بيئة متحضّرة كالمدن الإغريقية.
لكنّ الإغريق لم يفعلوا كما فعل البدائيون والبرابرة، فهم لم يخلقوا فردوساً وآلهة مختلفة وبعيدة عمّا فرضته عليهم بيئتهم المادية ونمط عيشهم ضمن تلك البيئة. نجد بأنّ الإغريق كانوا يؤمنون بآلهة متعدّدة، وأنّ هذه الكائنات الماورائية كانت تتشارك مع بعضها القوى والقدرات التي تنسبها شعوب الحضارات المتقدّمة لإلهها الواحد. بمعنى آخر، حيث تسود فكرة الإله الواحد مطلق القوة، فإنّه يقوم بكافة الوظائف والمهام لوحده، إلا أنّ الإغريق قسّموا هذه الوظائف والقدرات وخصّصوا لكلٍ منها إلهاً أو إلهة.
كان رئيس مجمع الآلهة هو الإله زيوس. كان كبير عائلة الآلهة ووالدهم. كان يقطن على جبل الأولمب، فردوس الإغريق. وكانت هناك مجموعة من الآلهة التي تشاركه إدارة شؤون العالم والناس. كان هناك أبوللو وشقيقته التوأم أرتيميس، أولاد زيوس وليتو.
كان أبوللو يشرف على العديد من مراحل النشاط البشري. كان إله الزراعة، كان منزّل المطر والندى، كان مانع المرض والأوبئة، حامي القطعان والمراعي. كان يبعد الذئاب. كان يحمي الصغار والأطفال، وراعي الألعاب الرياضية. كان إله التنبؤ والنبوءات، كما أنه كان موسيقياً رائعاً. كان يسلّي الآلهة بموسيقاه التي يعزفها على قيثارته.
كان الصراع بين الآلهة وبين أقدارها المتغيّرة هي التفسير الوحيد للصراعات المبكّرة والأقدار المتغيّرة للبشر. فالانتصارات التي حقّقها الإغريق على أعدائهم كانت تنسب لانتصار آلهة معيّنة على آلهة أخرى. فظهور ظروف حياة اجتماعية جديدة وتغيّرها في اليونان، أو دخولها في عهد انتكاسات وأزمات، كان ينظر إليها بنفس الشكل.
أرتيميس شقيقة أبوللو التوأم، أشبه ما تكون بأبوللو المؤنّث، كانت آلهة الصيد. هي شبيهة بديانا، إلهة الصيد عند الرومان. فعندما توسّعت الإمبراطورية الرومانية وابتلعت الحضارة اليونانية، أخذت معها آلهتها بأنواعها. صحيح أنه جرى تغيير لبعض أسماء الآلهة، ولبعض صفاتها، لكن بشكلٍ عام كان الدين الروماني مُطَعّم بالدين اليوناني. كانت أرتيميس إلهة الزراعة، وبشكل خاص الحصاد، والتي احتفظ الإغريق بحصّة من أضاحيهم لها. كانت الأشجار والخضروات بشكل عام تحت سيطرتها، بالإضافة إلى إشرافها على الحيوانات البرية في الغابات.
ثمّ هناك الإله أورفيوس، رجل مؤلّهة كان مسؤولاً عن الموسيقى. والرجل المقدّس هو الذي كان أحد والديه من البشر والآخر من الآلهة. كان من المفروض أنّ أورفيوس هو ابن أوياغروس، ملك تراقية، وكاليوبي، إحدى العرّافات. يقال أنّ أبوللو قد أهداه قيثارة ذهبية. وقد علّمته العرّافات (إلهات الموسيقى) العزف على القيثارة، فأتقن العزف عليها لدرجة أنّ وحوش الغابة المحيطة بسفح جبل الأولمب وحيواناتها كانت تخرج من كهوفها وأوكارها وتلحق بالموسيقي، حتى أنّ الأشجار والحجارة كانت تترك أماكنها للحاق به، وكانت الجداول والأنهار تتوقف عن الجريان في مجاريها بفعل موسيقاه الساحرة.
آريس كان إله الحرب (وكان يعرف بمارس عند الرومان). كان يجد متعته في القتال والمعارك، لكنّ منافسته في التخطيط الحربي كانت الإلهة أثينا. طبعاً كان لآريس صفات أخرى، لقد كان الآلهة في بعض الأحيان يغيّرون وظائفهم ومهامّهم. كانوا يحصلون على مهام مختلفة في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة.
أثينا (أو منيرفا كما كانت تعرف بين الرومان) كان إلهة المثقفين، آلهة الفكر، التعقّل، الفطنة السياسية، الزّعامة والقيادة... إلخ. كان الزعماء والقادة السياسيون يقدّمون أضاحي في معبدها يصلّون لها ويمجّدون صفاتها ومواهبها.
فينوس كانت آلهة رومانية، كانت إلهة الحب والجمال (كانت تعرف باسم أفروديت عند الإغريق)، وكانت تمتلك القدرة على تغيير الفؤاد، الذي كان يُعتقد فيما مضى أنّه مركز المشاعر. كان قادرة على تحويل الكراهية إلى حب. كانت أفروديت يصحبها دائماً ابنها الصغير، إيروس، أو كيوبيدوس (كيوبيد)
كانت هيبه إلهة الجمال الأنثوي والنضارة والأنوثة. كانت تعرف عند الرومان باسم جوفينتاس. وكونها إلهة الشباب والنضارة كانت تمتلك القدرو على إرجاع المرأة العجوز إلى شابّة فتية في سنّ الصبا. بمعنى آخر كانت تمتلك القدرة على تجديد البشر.
كونكورديا كانت إلهة الوفاق والإلفة والوئام عند الرومان. كانت مسؤولة عن الخلافات بين البشر. كانت مسالمة جداً وتحمل في يدها غصناً من الزيتون.
أطلس، كان جباراً من الجبابرة الذين أعلنوا الحرب ضدّ زيوس. إلا أنّ زيوس قد هزمه وحكم عليه بحمل السماء على رأسه وكفّيه. لاحقاً تمّ تصويره وهو يحمل الأرض. وهناك أسطورة أخرى تروي أنّ زيوس قد حوّله إلى جبل أطلس، الذي يحمل السماء وكل ما فيها من نجوم.
نيسه (فيكتوريا عند الرومان) كان آلهة النصر. وكان يتمّ تمثيلها عادةً بفعل تسجيل المنتصرين لفتوحاتهم وانتصاراتهم على دروعهم، أو على ألواح. كانت ترى أحياناً وهي تقود جيادها بنشوة المنتصر. شقيقها كان زيلوس، إله الحماس والاتّقاد والنشاط والقوّة.
فولكانوس، أو فولكان، كان إله النار عند الرومان، إله الفرن. كانت عملية الانصهار تحدث بفضل غضبه. كان يتمّ استرضاؤه عن طريق تقديم الأضاحي له. وكانت ترمي الأطايب والبخور في النار في مناسبات معيّنة كهدايا وأضحيات باسمه.
فيستا كانت آلهة البيت والموقد عند الرومان. وكان لها معبد تشتعل بداخله نارها الأبدية، وكان يزور المعبد عذراوات نقيات مثلها. إنها تمثّل التأثير المطهّر والنقي للنار.

هذه الأمثلة عن الآلهة والإلهات تبيّن لنا كيف أنّ الإغريق والرومان من أجل السيطرة على مختلف مراحل حياتهم الاجتماعية قد اخترعوا كائنات خيالية، شكّلوها على صورتهم الخاصّة وأسبغوها عليها صفاتهم وسماتهم، آمالهم وأحلامهم، مخاوفهم ومشاعرهم الخاصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق